أدوار الطب النووي في تشخيص السرطان

يُعدّ السرطان من أكبر التحديات الصحية في العالم، حيث يُصاب به ملايين الأشخاص سنوياً. ويُعتبر التشخيص المبكر عاملاً محورياً في نجاح العلاج، والحد من انتشار المرض، وزيادة معدّل النجاة. ومع تطور التكنولوجيا الطبية، أصبح الطب النووي أحد أهم الأدوات الحديثة التي أحدثت ثورة في تشخيص السرطان، بفضل قدرته على اكتشاف التغيرات الخلوية والوظيفية قبل ظهور أي تغيّر تشريحي.

يستخدم الطب النووي مواد مشعّة تُسمّى الراديودواء، إضافة إلى أجهزة تصوير متقدمة مثل PET/CT و SPECT/CT، لكشف نشاط الخلايا السرطانية بدقة عالية. وهذا ما يميّزه عن الفحوصات التقليدية مثل الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي، التي تركز على البنية التشريحية فقط.

ما هو الطب النووي وكيف يساعد في تشخيص السرطان؟

الطب النووي هو فرع من فروع التصوير الطبي يعتمد على حقن كميات صغيرة جداً من المواد المشعة داخل الجسم. تقوم هذه المواد بالانتقال إلى الأعضاء والأنسجة بشكل يختلف بحسب نوع الخلايا ونشاطها. وبما أن الخلايا السرطانية ذات نشاط متزايد واستهلاك مرتفع للطاقة، فإنها تمتص الراديودواء بمعدلات أعلى، مما يجعلها تظهر كبقع مضيئة على الصور.

تُظهر هذه الصور كيفية عمل الأعضاء وليس شكلها فقط، مما يسمح بالكشف المبكر عن السرطان ومتابعة تطوره بدقة.

1. الكشف المبكر عن الأورام

أحد أهم أدوار الطب النووي هو قدرته الفائقة على اكتشاف السرطان في مراحله الأولى، حتى قبل أن يصبح الورم كبيراً أو مرئياً بالطرق التصويرية التقليدية.

أكثر أنواع السرطان التي يُظهر فيها PET/CT فاعلية كبيرة:

  • سرطان الرئة

  • سرطان الثدي

  • سرطان القولون

  • سرطان الغدة الدرقية

  • سرطان البروستات

  • اللمفوما بأنواعها

  • الميلانوما (سرطان الجلد)

في كثير من الحالات، يمكن للطب النووي كشف التغييرات الوظيفية قبل التغييرات الشكلية.

2. تحديد مرحلة السرطان (Staging)

تحديد مرحلة الورم يعد خطوة أساسية لوضع خطة العلاج المناسبة. ويُعدّ الطب النووي الأدق في تحديد:

  • حجم الورم

  • انتشار السرطان إلى العقد اللمفاوية

  • وجود نقائل في الأعضاء البعيدة

فمثلاً، في حالات اللمفوما يعتبر PET/CT المعيار الذهبي لتحديد مرحلة المرض.

3. الكشف عن انتشار السرطان (Metastasis)

يُظهر الطب النووي النقائل السرطانية بدقة عالية، بما في ذلك:

  • نقائل العظام عبر فحص العظام

  • نقائل الكبد والرئتين

  • النقائل في العقد اللمفاوية

  • النقائل الدقيقة التي قد لا تظهر في CT أو MRI

هذا يساعد الأطباء على تجنّب العلاجات غير الضرورية واتخاذ القرارات العلاجية المناسبة.

4. تقييم الاستجابة للعلاج (Response to Therapy)

من أعظم فوائد الطب النووي أنه يستطيع تقييم فعالية العلاج حتى قبل أن يتقلص حجم الورم.

على سبيل المثال:

  • إذا بقي النشاط الوظيفي للخلايا السرطانية مرتفعاً بعد العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، يظهر ذلك مباشرة في فحص PET/CT.

  • أما إذا انخفض النشاط، فهذا يدل على فعالية العلاج.

هذه الميزة تسمح بـ:

  • تغيير خطة العلاج إذا كانت غير فعالة

  • تقليل الآثار الجانبية

  • رفع نسبة الشفاء

5. اكتشاف عودة السرطان (Recurrence)

في بعض الحالات قد يعود الورم بعد علاج ناجح. وفي حين يصعب أحياناً كشف هذا عبر CT أو MRI، إلا أن الطب النووي قادر على تحديد النشاط الشاذ للخلايا بسرعة كبيرة.

من أهم السرطانات التي يساعد في اكتشاف عودتها:

  • سرطان الثدي

  • سرطان القولون

  • اللمفوما

  • سرطان الغدة الدرقية

  • سرطان البروستات

6. تحديد حيوية الورم (Tumor Viability)

بعد العلاج، قد تبقى كتلة ظاهرة في الصور. لكن هل هي خلايا سرطانية نشطة أم مجرد نسيج ميت؟
يُقدّم الطب النووي الإجابة الدقيقة:

  • إذا كانت الكتلة نشطة ستظهر كمناطق مرتفعة الامتصاص

  • وإذا كانت ميتة فلن يظهر أي نشاط وظيفي

7. الترانويستيك (العلاج التشخيصي – Theranostics)

وهو أحدث اتجاه في عالم الأورام، يجمع بين التشخيص والعلاج.
يتم استخدام مادة مشعة في الفحص والتشخيص، ثم تُستخدم نفس المادة ولكن بجرعة علاجية لاستهداف الخلايا السرطانية وتدميرها.

أبرز تطبيقاته:

  • علاج سرطان البروستات باستخدام PSMA

  • علاج الأورام العصبية الصمّاوية (Neuroendocrine Tumors) باستخدام PRRT

أهم تقنيات الطب النووي في تشخيص السرطان

1. PET/CT

الأداة الأكثر تطوراً ودقة.
تعتمد غالباً على راديودواء FDG الذي يكشف النشاط الأيضي للخلايا.

فوائد PET/CT تشمل:

  • الكشف المبكر جداً

  • تحديد مرحلة المرض

  • تقييم الاستجابة للعلاج

  • كشف النقائل الدقيقة

2. SPECT/CT

يعتبر مثالياً لـ:

  • الكشف عن نقائل العظام

  • تقييم أورام الغدة الدرقية

  • تشخيص الأورام الكبدية

  • تقييم الأورام العصبية

3. فحص اليود المشع للغدة الدرقية (I-131 / I-123)

يستخدم في:

  • تشخيص سرطان الغدة الدرقية الحليمي والجرابي

  • تقييم مدى انتشار المرض

  • كشف عودته بعد العلاج

4. فحص غاليوم-68 (Ga-68)

من أدق الفحوصات لتشخيص الأورام العصبية الصمّاوية.

مزايا الطب النووي في تشخيص السرطان

  • دقّة عالية جداً

  • كشف التغيرات الوظيفية قبل التشريحية

  • مناسب للكشف المبكر

  • غير جراحي وبدون ألم

  • يكشف النقائل الدقيقة

  • مهم جداً لتقييم فعالية العلاج

  • يساعد في تقليل العلاجات غير الضرورية

هل الطب النووي آمن؟

نعم. الجرعة الإشعاعية المستخدمة قليلة جداً، وغالباً أقل مما يتعرض له المريض في فحص CT.
كما أن المواد المشعة المستخدمة تطرد من الجسم خلال وقت قصير ولها نصف عمر قصير.

الطب النووي:

  • آمن

  • دقيق

  • معتمد عالمياً

من هم المرضى الذين يحتاجون لفحوصات الطب النووي؟

  • المرضى المشتبه إصابتهم بالسرطان

  • المرضى المصابون باللمفوما

  • مرضى سرطان الرئة أو الثدي أو القولون

  • مرضى سرطان البروستات

  • من يحتاجون لتقييم الاستجابة للعلاج

  • من يُشتبه بوجود نقائل

  • من يُحتمل عودة الورم لديهم

خلاصة

لقد أحدث الطب النووي ثورة حقيقية في مجال تشخيص السرطان، بفضل قدرته على:

  • الكشف المبكر

  • تقييم دقيق لانتشار المرض

  • تحديد فعالية العلاج

  • كشف النقائل الصغيرة جداً

  • توجيه العلاج بطريقة أكثر فاعلية

ومع التطور الكبير في تقنيات PET/CT و SPECT/CT وTheranostics، أصبح الطب النووي أحد أهم الركائز في تشخيص السرطان وعلاجه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *